الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
مؤيدة بنصر الله
18-12-2022 - 08:24 pm
  1. " قالت وهي تبتسم وخطوط الزمن تتجعَّد حول وجنتيها " ...


يمامةٌ وغرابٌ أسود
أسدل الليل غمار سواده الحالك ، وساد في المدينة صخب المجون والهوى ، وتعالت ضحكات السهر والسمر ..
لا يهم إن كان الجو عاصفا ، ماطرا ، أو ساكن ، ففي المدينة ألف سبب وسبب لجعل الليل ملهىً للعواطف والنفوس ...
وفي عيونه كان ألف تساؤل عن ماهية الليل في ضجيج المدينة ، وماهية الهوى في سكانها ..
من قرية صغيرة جاء يبحث عن نفس ضائعة ، عن أمل بحياة أفضل ، عن غامض مجهول يسدّ أفق دروبه ، عن شهادة جامعية بها يبني مستقبله ....
في جامعة المدينة الكبيرة ، كان الوضع أشبه بجنين كان في بطن أمه لا يحيط به إلا المشيمة والسائل الأمينوسي ، ولا يسمع إلا نبض قلب أمه وصوتها ، ثم وفجأة وجد نفسه صارخا شاهقا أول نَفَسٍ له من هواء الدنيا ، وسَمْعَهُ يضجُّ بأصوات الممرضات والأطباء ، وصراخ المواليد ، وهدير الآلات ...
وكطفل يفتح عيونه لأول مرة ، رأى العمارات الشاهقة ، وبنات الجامعة ما بين حجاب وسفور ، وشبابها ما بين خبير ومبتدئ ، ماكر وطيب ، ذكي وساذج ، بملامح رغم اختلافها إلا أنها في عينيه تشابهت كثيرا ..
كانت غرفته تطلُّ على مجموعة من أشجار الكينا الباسقة التي امتلأت حدائق المدينة الجامعية بها ، في تمازج ما بين العمران والغابة ، يبرِّر لابن آدم هَتْكَ عذرية الفطرة والطبيعة ...
لكنَّ هذا أشعره بالراحة ، خاصة كلَّما تناهى لسمعه تمازج غريب بين أصوات هديل اليمامات التي اتخذت عشها على أغصان الكينا ، مع نعيق الغربان التي استوطنتها أيضا ..
وكطفل صغير بدأ يعتاد الحياة في المدينة ، مع علمه أنَّها مجرَّد محطة في درب مستقبله ...
بل بدأ يعشق رائحة قهوته الممتزجة مع أبخرتها ، وهو يقلب صفحات كتبه الثخينة ، مصغيا لسمفونية التمازج بين الغربان واليمامات ، والريح التي تعانق أغصان الكينا ، فتَحفُّ حفيفا غامضا وجميلا يبعث في قلبه النشوة وفي ذاكرته عبق قريته وبيته ، وأشجار الزيتون العتيقة تمتدُّ على مرمى البصر كلما صعد سطوح بيته ، وتُسْمِعُه أنغام سنابل القمح التي توشح حقول القرية فتختال بثياب من سندس أخضر ..
ثم يرسم دوائر وخطوط على دفتره وإشارات استفهام ، فالحنين أضناه ولا يكاد يصبر حتى تأتي الإجازة ليسافر لقريته ، ويطوي أجنحة الحنين المسافرة ، والشوق العارم لبساطة العيش هناك ..
وها قد أزِفتْ ساعة السفر واللقاء ، والحافلة طوت المسافات في سويعات ، ليجد نفسه يشمُّ رائحة خبز أمه ، وقهوة أبيه ، ويتلمَّسُ خطوط الزمن في وجهيهما ...
وصعد على سطوح بيته ، يريد أن يُشبع الحنين في ربيع عينيه ، ويشتم رائحة كروم الزيتون والتين ، ليفاجئ بأرض مقطوعة الشجرات محفورة بحفر كبيرة كأساسات لمبنى سيُنشَئُ فوقها ..
وبكلماتٍ مخنوقة يسأل أمه التي أحضرت له فنجان قهوته :
  • ما هذا يا أماه !!!!!
  • إنهم الجيران يا عزيزي ، قرَّروا أن يعمِّروا هنا بيتا لهم ، وصالة للأفراح ، الله يفرحني بك قريبا ..

" قالت وهي تبتسم وخطوط الزمن تتجعَّد حول وجنتيها " ...

ومرَّتْ سنوات دراسته ، وفي كل إجازة يأتي فيها ، كانت مساحات الكروم والحقول حول بيته تتقلَّص ليغزوها العمران بسرعة كاسحة وكأنها في سباق مع الزمن ، حتى لم تعد القرية قرية بل كادت أن تصبح مدينة صغيرة ..
وفي بيته الجديد ،فيما كان يُدعى قريةً ، كان يستيقظ على ضجيج السيارات وأصوات الباعة المتجولين ، وصراخ أولاد الجيران ، حتى أنهكته أصوات التقدم والحضارة ، فباع بيته ، واشترى واحدا جديدا على أطراف البلدة ، محاطا بما تبقى من أشجار الزيتون والتين والحور والسرو الشاهقة ...
محاولا الهروب من العمران الذي يزحف كأفعى تتلوّى وتبتلع الاخضرار ..
على الأقل وجد مأوىً فيه يسمع أصوات العصافير مع حفيف أوراق الشجر ، وهو يحتسي قهوته السوداء التي مازالت محافظة على نكهتها ، فهل يغيّرها العمران والحضارة التي ينشدها الإنسان ؟؟!!
ربما !! فكم غيَّرت هذه الحضارة والمدنيّة والتقدّم ، من نكهة وأصالة أشياء كثيرة !!!!
لم تجلب على الإنسان سوى أمراض غريبة تصيب الشباب والشُّيَّب ..
بقلمي


التعليقات (6)
ام عبده 276
ام عبده 276
حبيبتي و كعادتنا انا اشعر و انت تكتبين رائع تغلغل مشاعر حنين لطبيعة بكر تمارس الاختفاء في طيات مدنية او مدنية تفرض سطوتها على طبيعة بكر ... في النهاية المحصلة واحدة و هي تلاشي الطبيعة وسط صخب المدنية ليحل مكانها مشاهد طبيعية مصطنعة من صنع بني البشر باهتة جوفاء لا نملك سوى التمسك بها سلم اليراع مؤيدتي و دائما انا في شوق للمزيد من هواجسك في صورة حروف تحياتي غاليتي

سماقة
سماقة
في غمرة الحياة يجتاحنا الحنين ....
وعلى وقع ما أصاب حاضرنا نصير في منتهى الأسى على ذاكرتنا التي يستيقظ فيها الجمال القديم حينما لا نلتقيه في حاضرنا
كتلة مشاعرنا تفيق على حين غرة على فجر طفولتنا الذي يظل فجراً مهما مرّ عليه
وهنا يكمن السحر
كما هو السحر المنثور من أناملك التي خطت لنا قصة بمنتهى الاناقة بالالفاظ والمعنى والعبرة ....
سلمت الأنامل يا عزيزتي مؤيدة
ملياً تمعنت في حروفك التي تلقيتها بطعم وفاء ورونق عذوبة ٍ مدهش
تحياتي لك

مؤيدة بنصر الله
مؤيدة بنصر الله
ام عبده 276
يسعدني غاليتي أن أعبر عن مكنونات صدرك بحرفي
والأجمل هو قراءتك للفكرة بأسلوب منطقي جميل
أشكرك على الاهتمام والمرور والقراءة العميقة
دمت بكل ود ..

مؤيدة بنصر الله
مؤيدة بنصر الله
سماقة
شكرا لجمال حرفك أختي سماقة
فهو دائما يرسم السحر والعذوبة حتى في الردود
ويسعدني أن تقرأي قصتي بتمعن
ويسعدني أكثر قراءتك لها بهذه الحِرفيَّة
تحياتي لك ولمرورك العطر

rohefdak
rohefdak
لااله الا الله
حنينٍ يجرني الى تلك الأجواءء الجميله القرويه رغم اني لم أجربها ولكن في بدايه سكننا في حينا كنا أول من يسكن لافاصل بيننا وبين الشروق والغروب وجبال نتأملها وهواء عليل وهدوء مخيف والآن لاشروق ولاغروب ولاقمه نراها وتزاحم العمران من كل أمام حتى حديقه منزلنا حرمنا منها بسبب العمران والآن مع تجديد منزلنا ارتفعنا قليلا بسطوحنا شعور جميل أن أرى ذاك الجبل وارى شروق الشمس من خلفه وغروب خلف الأبنيه وقمه جبل ولكن سطوح ذا ذكرى قد أعتزله ولكن سأعود له قريبًأ أحن اليه كثيرًا..
آه جمال وتعمق في الاحساس والمشاعر..
دمتِ لنا ودام لنا حسك ونبضك يارب..

مؤيدة بنصر الله
مؤيدة بنصر الله
ودمت تعطرين مواضيعي بردودك الجميلة ، يا جميلة الروح !
وفعلا ليس هناك أعظم وأجمل من أمنا الطبيعة برهبة وعظمة الخالق تكسوها ..
وللأسف يكتسحها العمران كل يوم كغزو جحافل من البيوت ..
وهاقد قاربت أيام الصيف على الذهاب ، وعندها يصبح الجو مناسبا للعودة للسطوح
كوني دوما قريبة ، حفظك الله ورعاك رغودة ..

ألف مبروك للفائزات في مسابقة بقلم أنثى
الذئب و ليلى